كان أول ما أُعلم به النبي محمد باقتراب أجله ما أُنزل عليه في فتح مكة، ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾. وبعد عودة محمد من حجة الوداع، أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين، فبينا الناس كانوا يتجهّزون إذ ابتدىء محمد بشكواه الذى توفي فيه في ليال بقين من صفر، فاستبطأ الناس في الخروج لوجع محمد. وكان أول ما ابتدىء به من وجعه أنه خرج إلى البقيع ليلاً فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدىء وجعه وكان صداع الرأس مع حمّى،.ويُروى أن سبب مرضه هو السمّ الذي دُسّ له في طعام وهو في خيبر،وكان من شدة وجعه أن كان يُغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة. ثم دعا نساءه فاستأذنهن في أن يُمرّض في بيت عائشة بنت أبي بكر فانتقل إلى بيتها يمشي بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب.[338] وبعد ذلك خرج عاصبًا رأسه حتى جلس على المنبر فقال «عبد خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده» ففهم أبو بكر وبكى وقال «فديناك بآبائنا وأمهاتنا» فقال محمد «إنّ أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام. لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر»،[339][معلومة 19] ثم خطب فيهم مرات دعا فيها إلى إنفاذ جيش أسامة بن زيد، وأوصى المسلمين بالأنصار خيرًا.[340] ولما ثقُل عليه المرض، أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وعاد جيش أسامة بن زيد إلى المدينة.[340] وكان قبل وفاته بستة أيام تجمع عنده عدد من الصحابة فقال لهم وهو يبكي: «مرحبًا بكم وحيّاكم الله، حفظكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم».[341] وكانت عامة وصيته حين حضره الموت «الصلاة، وما ملكت أيمانكم».[342]
«لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم
أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض،
وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها أو لا يبصرها
وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا»[343]
— أنس بن مالك
فلما كان يوم الإثنين الذى توفي فيه، (بعد 13 يومًا على مرضه) خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، ثم تُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الإثنين ربيع الأول سنة 11 هـ،[340] الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له ثلاث وستون سنة.[344] فلما توفي قام عمر بن الخطاب غير مصدّقٍ للأمر، فقال «والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم»،[345] وجاء أبو بكر فكشف عن وجه محمد فقبّله، وقال «بأبي أنت وأمي، طبتَ حيًا ميتًا»، ثم خرج فقال كلمته المشهورة «ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت» وقرأ ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾.[345] يقول من شهد هذا الموقف «فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ».[335] ثم أقبل الناس يوم الثلاثاء على تجهيز محمد، فقام علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى محمد، بتغسيله وعليه ثيابه.[346] ثم قام الصحابة برفع فراش محمد الذي توفي عليه في بيت عائشة، فحفر أبو طلحة الأنصاري له قبرًا تحته. ثم دخل الناس يصلون عليه أرسالاً، دخل الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، ولم يؤم الناس أحد. ثم دُفن جوف الليل من ليلة الأربعاء.