فتنة مقتل عثمان هي أولى الفتن التي وقعت في الدولة الإسلامية، وتعرف كذلك بـالفتنة الأولى، وهي بداية لأحداث جسيمة عُرفت في التاريخ الإسلامي بـالفتنة الكبرى. أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان في سنة 35 هـ، ثم تسببت في حدوث اضطرابات واسعة في الدولة الإسلامية طوال خلافة علي بن أبي طالب.
في شـوال سنة 35 من الهجرة النبوية، رجعت الفرقة التي أتت من مصر وادعوا أنهم وجدوا كتابًا مع البريد يأمر بقتل زعماء أهل مصر، وأنكر عثمان إرسال الكتاب، لكنهم حاصروه في داره عشرين - أو أربعين - يومًا، ومنعوه من الصلاة بالمسجد، بل وحتى منعوا وصول الماء إليه. وكان الصحابة على أهبة الاستعداد للفتك بهؤلاء المتمردين والقضاء عليهم، ولكن عثمان أمرهم بعدم القتال، وشدّد عليهم في ذلك.
أورد الحافظ ابن حجر من طريق كنانة مولى صفية بنت حييّ قال: «قد خرج من الدار أربعة نفر من قريش مضروبين محمولين، كانو يدرؤون عن عثمان». فذكر الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير وابن حاطب ومروان بن الحكم. قلت: «فهل تدمّى (أي تلطخ وتلوث) محمد بن أبي بكر من دمه بشيء؟». قال: «معاذ الله! دخل عليه، فقال له عثمان: لستَ بصاحبي، وكلّمه بكلامٍ، فخرج ولم يُرزَ (أي لم يُصَب) من دمه بشيء». قلت: «فمن قتله؟». قال: «رجلٌ من أهل مصر يقال له: جبلة[1]، فجعل يقول: «أنا قاتل نعثل» (يقصد عثمان). قلت: «فأين عثمان يومئذ؟». قال: «في الدار»[2]. وقال كنانة كذلك: «رأيت قاتل عثمان في الدار رجلاً أسود من أهل مصر يقال له: جبلة، باسط يديه، يقول: أنا قاتل نعثل»[3]. وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري قال: «دخل عليه رجلٌ من بني سَدوس يقال له: الموت الأسود، فخنقه، وخنقه قبل أن يُضرَب بالسيف، فقال: والله ما رأيتُ شيءًا ألين من خناقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردّد في جسده» [4].
عمرو بن الحمق بن الكاهن، صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونزل الكوفة، وشهد مع علي - رضي الله عنه - مشاهده، وكان فيمن سار إلى عثمان وأعان على قتله ((الطبقات الكبرى ج: 6 ص: 25))
وممن ساهم في قتله: قتيرة بن حمران، والغافقي بن حرب, وسودان بن حمران, وكنانة بن بشر بن عتاب. وقد ثبت يقينًا أن أحدًا من الصحابة لم يَرْضَ بما حلّ بعثمان، فضلاً أن يكون قد أعان على قتله. فقد ثبت عن الحسن البصري - وهو شاهد عيان، وكان عمره وقت الفتنة أربع عشرة سنة – عندما سُئِل: «أكان فيمن قتل عثمان أحدٌ من المهاجرين والأنصار؟». فقال: «لا، كانو أعلاجًا من أهل مصر»[4]. وكذلك الثابت الصحيح عن قيس بن أبي حازم أن الذين قتلو عثمان ليس فيهم من الصحابة أحد[5].
اقتحم المتآمرون دار عثمان من الخلف (من دار أبي حزم الأنصاري)، وهجموا عليه وهو يقرأ القرآن، وأكبّت عليه زوجته نائلة لتحميه بنفسها، لكنهم ضربوا يدها بالسيف فقُطعت أصابعها، وتمكنوا من عثمان فضربوه بالسيف، فسال دمه على المصحف الذي كان يقرأ منه، ومات شهيدًا في صبيحة عيد الأضحى سنة 35 هـ، ودفن بـالبقيع. وكانت هذه شرارة نشوب فتن وحروب أخرى عديدة، مثل حرب الجمل، ومعركة صفين، وبداية ظهور الخوارج.
وقد قام الباحث الدكتور/ محمد بن عبد الله غبان الصبحي بجمع مرويات فتنة مقتل عثمان بن عفان، ودرس أسانيدها، واستخرج من الروايات الصحيحة والحسنة صورة تاريخية للحادثة في كتابه (فتنة مقتل عثمان بن عفان)، وأكمل هذه الصورة بالروايات التي لا تصل إلى درجة الحسن مما لا يترتب عليه حكم أو اعتقاد.
وقد طبع هذا الكتاب طبعته الأولى في مكتبة العبيكان، وطبعته الثانية في عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.